لكن بالرغم من أن مفهوم الرهن لم يكن غريبا في الشريعة الإسلامية، فإننا
نجد أنه مقابل إجماع علماء الإسلام على جواز الرهن في السفر، فإنهم
اختلفوا في جوازه في الحضر وإن كانت جمهرة الفقهاء قد أجازته في الحضر
أيضا2
ويخضع الرهن الحيازي في المغرب لكل من ق ل ع وكذا لظهير 2 يونيو 1915بشأن
التشريع المطبق على العقارات المحفظة وكذا الأحكام الفقه الإسلامي، وذلك
تبعا لطبيعة الشيء موضوع الرهن الذي يمكن أن يكون منقولا أو عقارا.
فالمنقول يخضع في رهنه لقواعد الرهن الحيازي المنظمة في ق ل ع م. أما
العقار، وهو موضوع هذه الدراسة، فالقواعد التي تحكم رهنه يميز فيها بين ما
إذا تعلق الأمر بعقار محفظ أو بعقار غير محفظ.
تطبق على الرهن الحيازي الوارد على العقار المحفظ مقتضيات ظهير 2 يونيو
1915 وكذلك الأحكام العامة المنظمة للرهن الحيازي في ق ل ع م. ويخضع في
المقابل، الرهن الحيازي متى ورد على عقار غير محفظ لأحكام الفقه الإسلامي.
ويعتبر الرهن الحيازي العقاري إحدى الضمانات العينية المعتمد عليها لخدمة
الائتمان، خصوصا إذا علمنا أن العقار محل الرهن، بالإضافة إلى قيمته
الاقتصادية الكبيرة، يتميز بخاصية أساسية وهي أنه يمكن ضبطه إذ لا ينتقل
من مكان إلى آخر بخلاف المنقول الذي لا تتوفر فيه هذه الميزة، مما يجعل
هذا الأخير يخضع لقاعدة الحيازة في المنقول سند الملكية. والرهن الحيازي
العقاري بالرغم من أهميته، لا يمكنه أن يؤدي الخدمة المنوطة به إلا إذا
هيئت له الوسائل الكفيلة بذلك والتي من بينها العمل على إيجاد تنظيم
قانوني مضبوط لهذا الرهن.
إن أقل ما يمكن أن يقال بشأن هذا التنظيم القانوني أنه مشتت بين ثلاثة
مصادر: ق ل ع م، ظهير 2 يونيو 1915 وأحكام الفقه الإسلامي. وهذا التشتت لن
يخدم الرهن الحيازي العقاري كأداة لتشجيع الائتمان وذلك لغياب نظرة
قانونية موحدة وواضحة لهذا الرهن، وهذا أمر يشكل قصورا قانونيا لابد من
تداركه.
وما زاد الأمر خطورة هو أن مجال تطبيق هذه المصادر الثلاثة غير محدد بشكل
دقيق: فخضوع المعاملات المتعلقة بالعقار غير المحفظ بصفة عامة والرهن بصفة
خاصة لأحكام الفقه الإسلامي أمر مختلف فيه فقها وقضاء، إذ هناك من يقـول
بتطبيـق ق ل ع م على هذا العقار. والمشكل لا يطرح فقط على مستوى الرهن
الحيازي الوارد على العقار غير المحفظ بل أيضا على ذلك الوارد على العقار
المحفظ، من خلال معرفة ما إذا كان الرهن الحيازي لهذا العقار الأخير تطبق
عليه، إلى جانب القواعد الواردة في ظ 2 يونيو 1915 والمتعلقة بهذا الرهن،
الأحكام العامة للرهن الحيازي الواردة في ق ل ع م فقط، أم تخضع أيضا
للقواعد المنظمة للرهن الحيازي للمنقول الواردة في هذا القانون.
نظم ق ل ع م، كما هو معروف، الرهن الحيازي في القسم الحادي عشر من الكتاب
الثاني، تناوله في بابين: باب أول تطرق فيه للأحكام العامة للرهن الحيازي
سواء تعلق الأمر بعقار أو بمنقول، وتطرق في الباب الثاني للرهن الحيازي
للمنقول.
لذلك نستطيع التساؤل : ألا يمكن الاعتماد على القواعد المنظمة للرهن
الحيازي للمنقول لتجاوز تشتت المصادر القانونية في مجال الرهن الحيازي
العقاري من خلال تطبيق هذه القواعد على هذا الرهن الأخير؟ أو بعبارة أخرى
هل يمكن تطبيق القواعد القانونية المنظمة للرهن الحيازي للمنقول على الرهن
الحيازي العقاري بشكل يضمن لهذا الأخير أداء دوره كأداة لتشجيع الائتمان؟.
لا يجادل أحد في أن الرهن الحيازي العقاري تراجعت فعاليته الائتمانية
بظهور ضمانات أخرى وخاصة منها الرهن الرسمي، لكن هذا التراجع لم يصل إلى
درجة تدعو إلى القول بالاستغناء عن مؤسسة الرهن الحيازي العقاري في أي
تشريع شامل مرتقب في مادة الحقوق العينية ( الفرع الثاني) لذلك، وفي
انتظار صدور هذا التشريع يبدو أن الرجوع إلى ق ل ع في تنظيم هذه المؤسسة
مبرر مادام أن أغلبية القواعد المنظمة للرهن الحيازي للمنقول صالحة لتطبق
على الرهن الحيازي العقاري ( الفرع الأول).
الفــرع الأول: أغلبية القواعد القانونية المنظمة للرهن الحيازي للمنقول في ق ل ع م صالحة للتطبيق على الرهن الحيازي العقاري.
إن المتمعن في القواعد المنظمة للرهن الحيازي للمنقول في ق ل ع سوف لن
يتردد في القول بملاءمة أغلب هذه القواعد للتطبيق على الرهن الحيازي
العقاري سواء من حيث تكوين هذا الرهن الأخير حيث يصبح شكليا ( المبحث
الأول) أو من حيث آثاره (المبحث الثاني) أو انقضائه ( المبحث الثالث).
المبحث الأول: تطبيق القواعد المنظمة للرهن الحيازي للمنقول في ق ل ع م على الرهن الحيازي العقاري يجعل هذا الأخير شكليا.
يقتضي تكوين الرهن الحيازي العقاري، كقعد شكلي، توفر الأركان العامة
للتعاقـد ( المطلب الأول) بالإضافة إلى الشكلية ( المطلب الثاني).
المطلب الأول: خضوع إنشاء عقد الرهن الحيازي العقاري لقواعد التعاقد العامة.
يقتضي تكوين عقد الرهن الحيازي أن يوجد الرضا وجودا صحيحا ( الفقرة
الأولى) وأن يتبلور هذا الرضى بتعلقه بكل من المحل والسبب ( الفقرة
الثانية).
الفقــرة الأولى : وجـود الرضى وجودا صحيحا.
1- وجود الرضى:
يقصد بهذا الوجود أن تتطابق إرادتا الطرفين على العناصر الأساسية لعقد
الرهن، بحيث تنصبان على هذا العقد لا على عقد آخر، وذلك من خلال تعبير كل
أطراف العقد تعبيرا صحيحا عن إرادتهم بشكل يفصح عن الرغبة في الالتزام
بشروط عقد الرهن وإضافة إلى التعبير عن الإرادة الذي يقتضيه وجود الرضى
فإن هذا الوجود يقتضي أيضا ألا يكون أحد أطراف العقد غير مميز. ويترتب على
انعدام الرضى في عقد الرهن الحيازي بطلان هذا العقد بطلانا مطلقا.
2- صحة الرضى:
لكي يكون الرضى صحيحا في عقد الرهن يجب أن تتوفر في أطراف هذا العقد
الأهلية المتطلبة قانونا، إضافة إلى خلو إرادة هذه الأطراف من عيوب الرضى.
أ- الأهلية المتطلبة في عقد الرهن الحيازي العقـاري: ينص الفصل 1171 ق ل ع
م على أنه" لإنشاء الرهن الحيازي يلزم توفر أهلية التصرف بعوض في الشيء
المرهون". أقل ما يمكن أن يقال عن هذا الفصل أنه غير دقيق، ذلك أن الأهلية
المتطلبة في عقد الرهن تختلف باختلاف طرفي العقد أي بحسب ما إذا تعلق
الأمر بالراهن أو بالمرتهن.
+ أهليـة الـراهـن:تختلف الأهلية اللازمة في الراهن بحسب ما إذا كان
الراهن هو المدين بالالتزام المضمون بالرهن أو شخصا آخر غير المدين بهذا
الالتزام ( الكفيل العيني).ففي الحالة الأولى فإن الأهلية المتطلبة في
الراهن لكي يكون عقد الرهن صحيحا هي أهلية مباشرة الأعمال الدائرة بين
النفع والضرر. أما في الحالة الثانية المتعلقة بالكفيل العيني فالأهلية
المتطلبة في الرهن هي أهلية مباشرة الأعمال الدائرة بين النفع والضرر إذا
كانت الكفالة العينية بمقابل، وأهلية التبرع إذا تمت دون مقابل.
+ أهلية المرتهن: يضع الرهن الحيازي على عاتق المرتهن التزامات يمكن أن
نمثل لها بالالتزام المتعلق بالمحافظة على المرهون، لذلك، وما دام يكسبه
في المقابل عدة حقوق فإن الأهلية اللازمة في المرتهن، سواء كان دائنا أو
غيرا ، هي أهلية مباشرة الأعمال الدائرة بين النفع والضرر.
ب- خلو إرادة طرفي عقد الرهن الحيازي من عيوبها.: يشترط في صحة رضى طرفي
عقد الرهن أن يكون سالما من العيوب التي قد تشوبه، ونظرا لعدم تميز عيوب
الإرادة في عقد الرهن عن هذه العيوب في باقي العقود، لذلك نكتفي هنا
بالإحالة على الأحكام العامة المنظمة لها في الكتاب الأول من ق ل ع.
الفقـرة الثانيـة: تعلق الرضى بكل من محل وسبب الالتزام
أولا : المحل كركن من أركان عقـد الرهـن: ينص الفصل 1174 ق ل ع على أن" كل
ما يجوز بيعه بيعا صحيحا يجوز رهنه"، لذلك يمكن القول بأنه يشترط في الرهن
ما يلي.
1 - أن يكون مما يصح التعامل فيه وبيعه بالمزاد العلني: وعليه لا يصح أن
يكون محلا للرهن كل من المال العام والمال الموقوف وحقوق الارتفاق لعدم
قابليتها للبيع استقلالا.
2- أن يكون العقار المرهون قابلا للتسليم: هذا الشرط تقتضيه ضرورة نقل
حيازة العقار المرهون إلى المرتهن لقيام الرهن الحيازي، وينجر على هذا،
القول بأنه لا يجوز رهن الحصة المشاعة ما لم يقبل كل الشركاء على الشيوع
بتسليم العقار كله للمرتهن ( 1189 ق ل ع) وكذلك لا يجوز رهن ملك الغير ما
لم يقر هذا الأخير هذا الرهن أو يصبح مالكا له.
ثانيا: السبب كركن من أركان الرهن: يقدم الراهن العقار المرهون ضمانا
لوفائه بالتزامه الشخصي تجاه الدائن المرتهن الذي يلتزم من جهته بالمحافظة
على هذا العقار وباستثماره لتسلمه إياه.
1- الالتزام المضمون بالرهن كسبب لالتزام الراهن: يشترط في الالتزام لكي يصح ضمانه برهن حيازي عقاري ما يلي:
أ- أن يكون التزاما نقديا:لا يجوز رهن عقار ضمانا لالتزام بالقيام بعمل أو
الامتناع عن عمل، وهذا ما يستشف من الفصل 1174 ق ل ع وكذا من الفصل 101 من
ظهير 2 يونيو 1915.
ب- أن يكون الالتزام المضمون صحيحا: لأن الرهن الحيازي العقاري من الحقوق
العينية التبعية التي تقتضي صحتها صحة الالتزام الذي تضمنه.
2 – تسلم العقار المرهون من طرف المرتهن كسبب لالتزامه بمقتضى الرهن. :
بما أن التسليم ركن في الرهن الحيازي العقاري، إذا طبقنا على هذا الرهن
المقتضيات القانونية الواردة في ق ل ع م المنظمة للرهن الحيازي للمنقول،
لذلك نحيل فيها يخص هذا التسليم لما سيأتي.