فضيحة "القذافي -
نتنياهو" ودور إسرائيل في الثورة المضادة
In
خبر عاجل
01/03/2011
رغم أن الثورات
الشعبية المتتالية في عدة دول عربية ركزت على إيصال رسالة للداخل أكثر من
الخارج ، إلا أن هذا لم يمنع إسرائيل من السعي لإجهاض هذة الثورات مبكرا
سواء كان ذلك عبر الدعم العلني للأنظمة الحاكمة أو خلال من التحركات
العسكرية الخفية.
بل واللافت
للانتباه أيضا أنه بعد نجاح ثورتي مصر وتونس ، فوجيء الجميع
ببوادر ثورة مضادة وخاصة في تونس ، حيث لم
يستبعد البعض تورط إسرائيل في الإنفلات الأمني الغامض الذي يسود تونس منذ
25 فبراير وتخلله سقوط قتلى وأعمال حرق ونهب وتخريب واسعة.
ويبدو أن الأسوأ لم
يقع بعد في حال لم يلتزم المصريون والتونسيون والليبيون الحذر الشديد خاصة بعد الكشف عن فضيحة
"القذافي- نتنياهو" والتي يبدو أنها لا تسعى فقط لإجهاض ثورة 17 فبراير في
ليبيا وإنما تخطط أيضا لإثارة القلاقل على الحدود الليبية مع كل من مصر وتونس.
تفاصيل
الفضيحة
ففي 28 فبراير،
كشفت مصادر مطلعة في تل أبيب عن وقوف مؤسسة الاستشارات الأمنية الإسرائيلية
"غلوبل سي إس تي " وبتفويض من حكومة نتنياهو وراء إرسال مجموعات من
المرتزقة الأفارقة إلى ليبيا للقضاء على الثوار المطالبين بإسقاط نظام
العقيد معمر القذافي.
وأضافت المصادر
السابقة أن تسريبات أمنية تؤكد أن إسرائيل تنظر إلى الثورة الليبية من
منظور أمني إستراتيجي وتعتبر أن سقوط نظام القذافي سيفتح الباب أمام "نظام
إسلامي معتدل" في ليبيا.
وتابعت أن رئيس
الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الحرب إيهود باراك ووزير
الخارجية أفيغدور ليبرمان اتخذوا في اجتماع ثلاثي يوم 18 فبراير/شباط قرارا
بتجنيد مرتزقة أفارقة يحاربون إلى جانب القذافي.
واستطردت المصادر
ذاتها " الاجتماع الثلاثي وافق على طلب من الجنرال يسرائيل زيف مدير مؤسسة
الاستشارات الأمنية (غلوبل سي إس تي) التي تنشط في العديد من الدول
الإفريقية بوضع مجموعات مرتزقة شبه عسكرية من غينيا ونيجيريا وتشاد
وجمهورية إفريقيا الوسطى ومالي والسنغال وأفراد من الحركات المتمردة في
إقليم دارفور ومجموعات في جنوب السودان تحت تصرف مسئول الاستخبارات الليبية
عبد الله السنوسي".
ولم يقف الأمر عند
ما سبق ، فقد نسبت المصادر نفسها لرئيس شعبة الاستخبارات العسكرية
الإسرائيلية الجنرال آفيف كوخفي القول خلال الاجتماع الثلاثي الذي حضره
أيضا رئيس شعبة شمال إفريقيا في الخارجية شالوم كوهين :"إن المتابعة
الدقيقة والرصد الثاقب أظهرا أن ثورة ليبيا يغلب عليها الطابع الديني
والأصولي وإن جماعة الإخوان المسلمين لها اليد الطولى فيها وعلى الأخص في
شرق ليبيا وتحديدا مدينة بنغازي".
بل وزعم كوخفي أيضا
بحسب المصادر السابقة أنه إذا ما سقط نظام القذافي فإن النظام البديل
سيكون "نظاما إسلاميا"، مما يوفر عمقا استراتيجيا لحركة الإخوان المسلمين
في مصر والأردن والسودان.
وفيما نشرت بعض
وسائل الإعلام الإسرائيلية معلومات بسيطة عن الاجتماع الثلاثي ، فجرت
المصادر ذاتها مفاجأة مفادها أن زيف والجنرال يوسي كوبرساور ووزير الخارجية
الإسرائيلي الأسبق شلومو بن عامي والسفير الإسرائيلي الأسبق في باريس نسيم
زويلي الموجود في السنغال التقوا مباشرة مع السنوسي ومع قيادات ليبية
موالية للقذافي في قاعدة عسكرية بالعاصمة التشادية إنجمينا للإسراع بتنفيذ
المخطط السابق.
وفي هذا اللقاء ،
عرض السنوسي على زيف أن تمد مؤسسته الأمنية التي بحوزتها مجموعات عسكرية
إفريقية ووحدات من المستشارين والمدربين العسكريين ليبيا بمجموعات من أفراد
هذه التشكيلات المدربة تدريبا خاصا على القتال في الحروب الأهلية.
وفي مقابل ذلك ،
تدفع ليبيا إلى المؤسسة الإسرائيلية 5 مليارات دولار قابلة للزيادة إذا ما
برهن مرتزقتها على فاعليتهم في التصدي للثوار الليبيين.
وتم الاتفاق كذلك
على نقل هذه المجموعات الإفريقية المسلحة إلى تشاد ثم تنقلها من هناك
طائرات ليبية أو تشادية إلى عدة مناطق ومدن ليبية ، مثل سبها في الجنوب
وطرابلس في الوسط وسرت في الشمال.
وفيما نفى نظام
القذافي بشدة وصول 50 ألف من المرتزقة إلى ليبيا فور تفجر الثورة ، إلا أن
المصادر الإسرائيلية ذاتها أكدت أن عدد أفراد المجموعات الإفريقية المسلحة
التي تم الاتفاق عليها في اجتماع إنجمينا بلغ بالفعل 50 ألف شخص كانوا
مزودين بأنواع كثيرة من الأسلحة من صنع روسي وأمريكي وبريطاني وإسرائيلي ،
منها بنادق الكلاشينكوف "تافور" المطورة والمحسنة في إسرائيل.
امتيازات
لاحصر لها لإسرائيل
ولم تقف الفضائح
عند ما سبق ، فقد أكدت المصادر نفسها أن الطرف الليبي قدم ضمانات بمنح
مؤسسة "غلوبل سي إس تي" بعد وضع حد للثورة ضد القذافي امتيازات في مجال
التنقيب واستخراج وتصدير النفط والغاز الليبي في عدة حقول بمناطق سبها
وطبرق وبنغازي والكفرة.
كما تعهد الطرف الليبي بإبرام عقد مع المؤسسة
الإسرائيلية الناشطة في مجال تشكيل القوات العسكرية والأمنية وإعدادها
وتدريبها في إفريقيا وأمريكا اللاتينية والقوقاز من أجل إعادة بناء القوات
والأجهزة الأمنية الليبية.
ووعد الطرف الليبي
كذلك بالسماح للمؤسسة الإسرائيلية بالنشاط في المجال الأمني في ليبيا وحرية
العمل انطلاقا من ليبيا للنشاط في عدد من الدول المجاورة وخاصة في
إقليم دارفور غربي السودان وفي النيجر وشمالي تشاد.
ورغم أنه تم
الإعلان في 28 فبراير عن استقالة عبد الله السنوسي من منصبه ، إلا أن هذا
لا ينفي حقيقة أن هناك حاليا 50 ألفا من المرتزقة التابعين لإسرائيل يعملون بحرية
وبدعم من القذافي داخل الأراضي الليبية وهو خطر كبير
وداهم ويتطلب خطة حكيمة من قبل الثوار لمواجهته سريعا ومنع استفحال أمره.
أصول
يهودية
ولعل التقرير الذي
نشرته مجلة "إسرائيل توداي" في 25 فبراير قد يدعم أيضا المخاوف السابقة ،
حيث كشف أن القذافي يعود إلى أصول يهودية، مستشهدا بتفاصيل أوردتها امرأتان
يهوديتان من أصول ليبية قالتا للقناة الإسرائيلية الثانية العام الماضي
إنهما من أقرباء القذافي.
وتابع التقرير " غويتا براون وحفيدتها راشيل سعدا صرحتا
للقناة الإسرائيلية الثانية بأن أصول القذافي يهودية وأشارتا إلى أن جدة
غويتا براون وجدة القذافي شقيقتان".
وأوضحت سعدا أن القصة بدأت عندما تزوجت جدة القذافي
اليهودية رجلا من بنى جلدتها ولكنه أساء معاملتها فهربت منه وتزوجت مسلما
زعيما لقبيلة فأنجبت منه طفلة أصبحت والدة القذافي.
ورغم أن جدة
القذافي اعتنقت الإسلام عندما تزوجت ذلك الزعيم، فإنها تبقى حسب القانون
الإسرائيلي يهودية.
وعلق المذيع
بالقناة الإسرائيلية الثانية حينها بالقول إن "المهم في ذلك أن القذافي لا
يملك أقرباء من اليهود وحسب، بل هو نفسه يهودي".
ورغم أن المجلة
الإسرائيلية أشارت إلى أن ما سبق ليس بالأمر الجديد إلا أنها أوضحت أنه في
ظل الانتفاضة الأخيرة في ليبيا التي تهدد بالإطاحة بنظام القذافي كما حصل
في تونس ومصر ، فإن تل أبيب عليها مساعدة القذافي وحتى استقباله في حال
الضرورة وفقا للقانون الإسرائيلي الخاص "بعودة اليهود".
ورغم أنه لم تتأكد
بعد صحة ما سبق ، إلا أن الأمر الذي يجمع عليه كثيرون أن إسرائيل ليس من
مصلحتها بالمرة نجاح الثورات العربية المتتالية ولذا فإنها تسعى لإجهاضها
بكل ما أوتيت من قوة ، ولعل هذا ما ظهر في استطلاع شهري للرأي العام في
إسرائيل أعده الباحثان أفرايم ياعر وتمار هيرمن ونشرت نتائجه قناة
"الجزيرة" في 28 فبراير وأكد بوضوح تزايد القلق داخل الكيان الصهيوني بعد
تتابع الثورات في الدول العربية وانهيار أنظمة طالما حافظت على الهدوء
وعلاقات جيدة مع إسرائيل.
صومال
آخر
وأمام ما سبق لم
يكن مستغربا أن تتردد تقارير صحفية حول قيام إسرائيل بتزويد نظام الرئيس المصري السابق حسني مبارك
بشحنتي أسلحة
للقضاء على ثورة شباب 25 يناير ، بل ومطالبتها أيضا واشنطن بعدم التخلي عن مبارك وزين العابدين بن
علي.
ورغم فشلها في إجهاض الثورتين المصرية والتونسية ، إلا أنها
تسعى الآن وبكل قوة لدعم القذافي على
أمل بقائه في السلطة أو على أقل تقدير إيجاد الأرضية الخصبة للتغلغل الواسع
في ليبيا وزرع الفتنة بين قبائلها وتحويلها إلى "صومال آخر" حسبما هدد
القذافي صراحة وبالتالي تهديد الأمني القومي لكل من تونس ومصر ومنع
تحولهما إلى الديمقراطية بل وضرب نموذج سييء لما يمكن عن
أن تسفر عنه الثورات وهو ما يتفق تماما مع المخطط الصهيوني القديم الجديد
الهادف للإبقاء على أنظمة استبدادية في العالم العربي.
فمعروف أن تل أبيب
طالما قدمت نفسها للعالم على أنها واحة الديمقراطية في الشرق الأوسط
وبالتالي يجب على الغرب دعمها في مواجهة الديكتاتوريات التي تحيط بها.
وبالنظر إلى أن
الثورات المتتالية في عدة دول عربية تعني أن الكلمة ستكون منذ الآن للشعوب ،
فإن هذا سبب قلقا بالغا لإسرائيل ليس من الناحية العسكرية وإنما سياسيا ،
فهي تعرف أن ميزان القوة العسكرية في صالحها ولكن ما يرعبها هو أن الغرب
وعلى رأسه أمريكا سيأخذ بعد ذلك بالحسبان رد فعل الشعوب وبالتالي فإنها لن
تستطيع أن تمرر كافة مخططاتها التوسعية والاستعمارية في المنطقة ، بل إن
مشاريعها للتطبيع مع الدول العربية الواحدة تلو الأخرى ستذهب أدراج الرياح
أيضا.
ويبقى الأمر الأهم
ألا وهو أن أغلب دول العالم باتت تتعاطف بقوة مع العرب وتأكدت أنهم أناس
مسالمون وحريصون على الحرية والكرامة وحقوق الإنسان بخلاف ما روجت له
الدعاية الصهيونية حول أنهم "إرهابيون" ولذا فإنها لن تستطيع أن تقنع أحدا
بعد الآن بمبررات مواصلة جرائمها ومجازرها ضد الفلسطينيين، ففزاعة وصول
"الإسلاميين المتشددين" للسلطة تساقطت أمام الجميع ، حيث ركزت الثورات
الثلاث في تونس ومصر وليبيا على مطالب اجتماعية وسياسية ولم تركز على العامل الديني
من قريب أو بعيد.
وبصفة عامة ، فإن
إسرائيل باتت في موقف ضعيف أمام العالم في الوقت الراهن ولذا فإنها لن
تتوانى عن فعل أي شيء وحتى إن كان دعم نظام القذافي بالأسلحة الفتاكة
لإجهاض الثورة الليبية وتعكير صفو ما حدث في مصر وتونس، وهو ما يجدد
التساؤل القديم الجديد: هل ستقبل واشنطن
بإحالة إسرائيل للمحكمة الجنائية الدولية بسبب إرسالها المرتزقة لقتل
الأبرياء العزل في ليبيا أم أنها ستظل كالعادة فوق القانون الدولي والشرعية
الدولية؟