يعتبر
التلمود أحد أهم التفسيرات التي انبرت لتوضيح التوراة المنزلة على سيدنا
موسى عليه السلام والتي تتكون هي نفسها من خمسة أسفار: 1- سفر التكوين 2-
سفر الخروج 3 - سفر اللاويين 4- سفر العدد 5- سفر التثنية، ولما كانت هذه
الأسفار في حاجة إلى تفسير فقد عمل علماء وأحبار بني إسرائيل على شرح
محتويات التوراة في كتاب سموه " المشناة " والذي قاموا بتفسيره هو أيضا في تأليف آخر أطلقوا عليه اسم " الجمارة
"، ويتكون التلمود من أحد هذين الكتابين عند بعض الأحبار، ومنهما معا عند
البعض الآخر. وكلمة التلمود عبرية تعني التعليم، وهو - أي التلمود - من
عمل الطائفة الفريسية
خلال
قرابة ألف سنة وهم يقدسونه كالتوراة أو أشد ويرون أن التوراة وحدها كالماء
وأن المشناة كالخمر وأن الجمارة كالخمر المعطرة، وأن التوراة وحدها لا
تغني ولا تصلح دون المشناة والجمارة، والتلموديون يعتقدون أن شريعتهم قسمان
: مكتوبة وشفوية ،، فالمكتوبة هي التوراة بأسفارها الخمسة، أما
الشفوية فهي محتويات المشناة وقد اختلفوا في تاريخها وأصلها فمنهم من يرتقي
بها إلى عهد موسى عليه السلام، ومن اللاهوتيين من كانوا يردونها إلى عصر
أحدث من موسى إذ ينسبوها إلى عصر داود بن سليمان عليه السلام وينسبها آخرون
إلى عزرا الكاتب وكل هذه وجهات نظر ارتأوها وروجوا لها ليثبتوا عراقة هذه
الشريعة الشفوية، وكان لهم ما أرادوا، فقد تلقت ذلك عنهم الأمم الأخرى
بالتسليم وبقي ذلك شائعا مدى قرون متطاولة حتى أواسط القرن الماضي وحينئذ
تصدى علماء النقد التاريخي في الغرب لأسفار اليهود المقدسة فتعمقوا في
فحصها وتحليلها على أسس علمية لغوية وتاريخيةمقارنة، فتبين لهم أن عراقتها
وأصالتها لا تقومان على أساس صحيح.
والمشناة
الرسمية واحدة ولكن لها شرحين أو جمارتين أحدهما تم في مدارس فلسطين
والآخر في مدارس بابل، والجمارة الفلسطينية وحدها أو مع المشناة تسمى
التلمود الفلسطيني والبابلية مع المشناة نفسها تسمى التلمود
البابلي.والمشناة مقسمة ستة أقسام تسمى "سيداريم" أي أنظمة أو رسائل، وكل
منها مقسم تقسيمات فرعية تسمى " ماسيختوش " أي أنسجة أو أبوابا ( مجموعها
63 ) ، وكل باب مقسم أقساما أصغر تسمى " بيراكيم " أي فصولا ( مجموعها 525 )
وكل فصل يشمل على عدة فقر، ولا يتفق عدد الأبواب في كل رسالة ولا عدد
الفصول في كل باب ولا عدد الفقر في كل فصل.وتجدر الإشارة إلى أن عناوين
الرسائل الست تشير إلى موضوعاتها، فالأولى: في الزراعات " زراعيم " أو نظام الحبوب وتتناول القوانين الدينية المرتبطة بالزراعة… والثانية: المواعيد "موعيد" أو الأوقات وهي توضح نظام الأعياد والمواسم وحدود أوقاتها بدءا ونهاية….والثالثة : النساء "ناشيم" وتبحث واجبات الرجل والمرأة وأحكام الخطبة والزواج إلخ.. والرابعة: الجزاءات "نيزكين" أو العقوبات وتبين المحظورات والاعتداءات من شخص أو حيوان والتعويضات عن ذلك… والخامسة: المقدسات "كوداشيم" وهي القرابين والتقدمات المقدسة التي تقدم للهيكل وأنواعها وشروطها….
والأخيرة: الطهارات "طهاروت" أي طهارة الأجسام والملابس والأوعية وأمتعة المنزل والخيام وكيفية ذلك. :
وقد يخطئ
الكثير من الباحثين والمقلدين حين يحملون التلمود كل مآخذهم على جماعة
اليهود في موقفها العدائي من سائر الأمم والأميين واعتبارهم إياهم أنجاسا
أو حيوانات واستباحتها في معاملتهم كل وسيلة، أو نظرتهم إليهم نظرة شيئية
أي كأنهم أشياء لا تستحق إلا التسخير دون مراعاة أي حق أو حرمة ،وهذه
النظريةلا شك هي الغالبة على اليهود ، وللتلمود في ذلك أكبر الأثر لأن
الجماعة اليهودية تردد وتأخذ بتعاليمه الفريسية العنصرية أكثر مما تأخذ
بتعاليم التوراة نفسها.ومع ذلك نجد أن في التوراة ومعظم أسفار العهد القديم
ثم في التلمود تيارين: أحدهما حنيفي إنساني ينظر إلى جميع الناس على أنهم أخوة ربهم ورب العالم كله واحد،…والآخر:
عنصري يرى أن اليهود هم شعب الله المختار ، وكل شيء في العالم خلق من أجله
فهو ملك له والإله رب اليهود وحدهم فكل الأميين مطرودون من رحمته وكلهم
كفرة وأنجاس وحيوانات فيجب أن يعاملوا معاملة الأعداء، وإذا كان التياران
ظاهرين في التوراة وسائر أسفار العهد القديم ولكن التيار الثاني فيها هو
الغالب ، فإن سلطان هذا التيار الثاني في التلمود أبرز وأفضع حتى ليكاد
ينفرد بالنفوذ … ولولا تسلط التيار العنصري لكان التلمود من أعظم مفاخر
اليهود مهما يكن مقدار ما استعاره من مأثورات الأمم الأخرى لأنهم اختاروا
هذه الثقافة ودونوها فحفظوا لها الحياة.بل إن التلمود مع كل علاته ليعد
من ذخائر التراث الإنساني الذي تفخر به الإنسانية ، وإن كانت تنكر كل
ما فيه من آثار التيار العنصري، ولا تستبقيه إلا ليدرس كما تدرس الأمراض
النفسية التي تبتلى بها الشعوب ، وقد استنكرت المسيحية هذا التيار بين
اليهود منذ المسيح حتى اليوم كما استنكره الإسلام وينكره كل من يشعر
بالأخوة الإنسانية وكرامتها.
ونحن اليوم
أحوج ما نكون إلى دراسة التراث اليهودي ، لأننا نواجه الصهيونية العالمية
بكل حولها وحيلها والتي تستند جذورها التاريخية إلى التيار العنصري في
التلمود قبل التوراة أو أكثر منها ، ثم إن التلمود حوى كثيرا مما دخل
في تراثنا الإسلامي واتخذنا له " الإسرائيليات " عنوانا وهذه الإسرائيليات
أوسع في تراثنا مما عرفناه حتى الآن، ولا يظهر مداها إلى بدراسة التراث
اليهودي ولا سيما التلمود على أن تكون هذه الدراسة من وجهة النظر التاريخية
الحديثة، لا من الوجهة التقليدية التي سار عليها علماؤنا السابقون رحمهم
الله.
الطائفة
الفريسية هي طائفة تدعي أنها الوريث الوحيد لعزر الكاتب في حفظ الشريعة
وتعتبر أشد الطوائف اليهودية عنصرية ونزوعا إلى الانفصال عن سائر الأمم مع
التعالي عليها جميعا ، واستباحة نفوسها وأموالها ، وتعتبر تعاليم هذه
الطائفة هي السائدة بين معظم اليهود حتى يومنا هذا.